Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آراءخبر عاجلمحلي

صقر يكتب : قسمة ونصيب

بقلم : مهندس / محمود صقر

محمود صقر

                                                                                          

 في يوم من الأيام التي تتكرر كثيراً في حياة المهندسين ( بطبيعة المهنة ) ، يوم كأن كل مشكلة فيه تنادي على أختها ، حتى اداركوا جميعاً فوق رأسي .

وطبيعة عمل المهندس تحتم عليه ( إذا أراد النجاح ) ألا يتهرب من مشاكل العمل ، بل يواجهها ويحللها ويحاول علاجها
كنت في هذا اليوم في طريقي لإحدى الجهات الحكومية لإنجاز معاملة خاصة ، دخلت على الموظف وأنا مشغول بعلاج تلك المشاكل ، وكان يتحدث على الهاتف ، فأشار إلي بالجلوس .
موظف عتيق ، نحيف الوجه ، خط الزمان على وجهه النحيف أخاديد من التجاعيد ، وترك له الزمان من ذكريات الصحة والشباب قليلاً من أسنان تعلوها صفرة مشوبة بسواد .
كان الموظف الهمام يتحدث على الهاتف باهتمام مع ( المدام ) ، حول طبخة اليوم ومقادير الإدام .
بدأ صاحبنا في الدخول إلى أدق تفاصيل الطبخة ، ثم دخل على ملحقاتها من المقبلات والسلطات والحلويات .
وبكل مشاعر اللذة بدأ يمصمص شفتيه ، ويبلع ريقه ، ويتلمظ بلسانه ، وبلغ به الغرام والهيام بالطبخة المنتظرة من ( المدام ) حداً أنساه وجودي ، فأسند ظهره للخلف وهو يكاد يحتضن سماعة الهاتف : طيب يا حياتي متنسيش حاجة من اللي قولتلك عليهم .
وأنا جالس أمامه ، مرهف له سمعي ، شاخص إليه ببصري ، أتمتم في سري ” ليت الله يرزقني بعضاً من فراغ بالك !!”
أنجزت مهمتي ، ودخلت سيارتي ، أدرت المذياع كعادتي ، انطلق صوت مذيع نشرة الأخبار : ” قُتل اليوم في العراق … ، بلغ عدد المشردين في سوريا ..، تم الحكم بالإعدام في مصر على مجموعة …. تم اعتقال ….. تم قصف ………”
ما هذا يا رب ؟ .. ما كل هذه الهموم ؟ … هل قدري أنني عربي؟! ….. لماذا يا رب لم تخلقني سويدياً أو نرويجياً …
رن الهاتف قاطعاً هذه الهواجس ، …
وإذا بصوت أحد الأصدقاء ، نبرات صوته تحمل فيضاً من البهجة والسرور ، والغبطة والحبور …. وبعد التحية انطلق سائلاً :
إيه أخبار “الكريسماس” ؟!!
قتل … تشريد … اعدام … اعتقال …… ” كريسماس ” !!!
لم أستوعب
قلت له : أخبار ” كريسماس” مين .. ؟؟!! ده حد اتقتل النهاردة والا اتحكم عليه بالإعدام والا إيه ؟؟
قال : إيه يا محمود !!.. اصحى .. بقولك ” الكريسماس ” – عيد الميلاد … أنت مش معايا والا إيه ؟!!
قلت : آه .. آسف .. كنت سرحان … عندك حق ” الكريسماس ” ، افتكرت … ، هو أنت أخذت الجنسية النرويجية ؟؟
قال : لااااه ، أنت باين عليك فيك حاجة مش طبيعية النهاردة ، نرويج إيه ياعم ؟!!
قلت : آسف .. عندك حق .. ما دخل النرويج بموضوعنا ..!! أنا أسف ..
قال : ده أنا باتصل بيك أقولك إني مسافر أقضي الكريسماس ، ده أنت لو تعرف أنا رايح فين ، وحعمل إيه ….
قلت : طيب يا صديقي ، تروح وترجع بالسلامة ، ربنا يهنيك … أجازة سعيدة .
إيه يارب الحكاية النهارده .
أنا أصبحت كالرجل “المٌبَستر” أطلع من الفرن للثلاجة ، ومن الثلاجة للفرن ….
الثلاجة الأولى : فيها رجل انسحب من الكفاح في الحياة ، ومبلغ لذته ” لحسة ” من طبق ” المدام ” .
والثلاجة الثانية : فيها رجل انسحب من دنيا الناس ، وعاش حدود ذاته ، ومبلغ لذته ، لعب ولهو وعبث .
ألا ما أبرد تلك الثلاجات وأسخفها . !!
هل من الممكن أن يكون للحياة معنى وقيمة ، بغير كفاح وتعثر ونجاح وتغيير للأيام ؟؟!!
هل من الممكن أن يكون للحياة معنى وقيمة ، إذا انحصر الإنسان في حدود ذاته ، إذا عاش بلا رسالة ، إذا فقد الإحساس والشعور ، إذا فقد الألم والأمل ؟؟!!
ألا ما أوفاها قسمة ، وأوفره نصيب ، لمن رزقه الله الإحساس والشعور والمسئولية والرسالة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى