آراء

الرجيب يكتب : النمر الجريح

140817_o
وليد الرجيب

لم تعد الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، تستطيع إخفاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها النظام الرأسمالي العالمي، وستجد طريقة ما لإطالة عمر هذا النظام، لكن يبدو أن الخيارات أصبحت محدودة.

ومع توقع المحللين في الاقتصاد السياسي بأن تتفاقم هذه الأزمة، فإن اللجوء إلى الحلول الفاشية، على غرار ما حدث أثناء وبعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية عام 1929 أمر وارد، والتي تعني ببساطة عودة اليمين للامساك بزمام الأمور، وتقليص الهامش الديموقراطي والحريات، باستخدام القمع البوليسي للشعوب، وعودة الحروب بكافة أشكالها، وهذا ينطبق على الدول التابعة أو الأطراف وليس فقط في المراكز، في ظل الرأسمالية المعولمة.

وعودة الفاشية تعني إحياء المشاريع القومية شديدة التعصب، أو الاستناد إلى الدين لتطويع الشعوب، سواء عن طريق حرب المذاهب أو طرح برامج زائفة بعد الامساك بمفاصل الدول التابعة، لضمان عدم سيطرة الجماهير الشعبية، التي تطالب بالانعتاق من التبعية ورهن بلدانها لمصالح الامبريالية العالمية، فالرأسمالية في أزمتها الاقتصادية البنيوية، تتصرف كالنمر الجريح.

ولذا سنلحظ نكوص العديد من الأنظمة التي اضطرت لإقامة نظام ديموقراطي شكلي في «العالم الثالث»، تكون السلطات فيها هي المحرّك الحقيقي للمؤسسات البرلمانية، سواء عن طريق تزوير الانتخابات، أو إيجاد تشريعات من شأنها الحد من الحريات والحقوق والمكتسبات الشعبية والوطنية، وثورات مضادة للانقلاب على الثورات والانتفاضات الشعبية ومطالبها بأشكال متعددة، ابتداء من منع الأحزاب السياسية أو حظرها، إلى القمع البوليسي والمحاكمات للنشطاء السياسيين، وحتى اللجوء للمشاريع الطائفية وتأجيج العداء والكراهية بين مكونات المجتمع.

فالأنظمة الرأسمالية وبدفع من أجنحة اليمين المتطرف، تستخدم الحروب بذرائع مختلفة ومتعددة، وتعطي تعليمات للدول التابعة لها «في ظل العولمة»، للتشدد مع شعوبها وقمع أي تحرك شعبي، أو أي مطالبة لديموقراطية حقيقية أو مشاركة سياسية.

وما قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر في مصر، ونجاح السبسي في تونس إلا مؤشرات قد لا تكون دقيقة لعودة الأنظمة الاستبدادية القديمة بلباس جديد بعد فشل حركات الإسلام السياسي في البلدين، وهما حليفان رئيسيان للامبريالية، فبعد اختفاء كبار رجال الأعمال المهيمنين على ثروات بلادهم، بدعم أنظمة مبارك وبن علي التابعين للدول الرأسمالية الكبرى، بعد اختفائهم اثر ثورتي 2011 في تونس ومصر، بدأوا بالظهور في المشهد السياسي مرة أخرى.

هذا لا يعني انتصار الثورات المضادة، أو اليمين الفاشي بأشكاله وأسمائه، أو حتى التواجد العسكري الأجنبي وقواعده في الشرق الأوسط، لتمكين وخلود النظام الرأسمالي وفرض سياسة النيوليبرالية الاقتصادية، بل قد يثير غضب الشعوب أكثر، لكن عودة الإرهاب والحروب المدمرة بذرائع مختلفة تشكل خطراً لا يستهان به على منطقتنا وعلى العالم.

وليد الرجيب

osbohatw@gmail.com

نقلا عن الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى